تفسير و معنى كلمة وليا وَلِيّٗا من سورة مريم آية رقم 45


يَٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا ٤٥

قرينا تليه و يليك في النّار


التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة "ولي"

الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة (قال الفراء: وكسر الواو في الولاية أعجب إلي من فتحها؛ لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، وكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة. انظر: معاني القرآن 1/418)، والولاية: تولي الأمر، وقيل: الولاية والولاية نحو: الدلالة والدلالة، وحقيقته: تولي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك. كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل. أي: الموالي، وفي معنى المفعول. أي: الموالى، يقال للمؤمن: هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهم، فمن الأول قال الله تعالى: الله ولي الذين آمنوا [البقرة/257]، إن وليي الله [الأعراف/ 196]، والله ولي المؤمنين [آل عمران/68]، ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا [محمد/11]، نعم المولى ونعم النصير [الأنفال/40]، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى [الحج/78]، قال عز وجل: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس [الجمعة/6]، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه [التحريم/4]، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/62] والوالي الذي في قوله: وما لهم من دونه من وال [الرعد/11] بمعنى الولي، ونفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية، فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود إلى قوله: ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة/51] (الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم )، لا تتخذوا آباءكم وأخوانكم أولياء [التوبة/23]، ولا تتبعوا من دونه أولياء [الأعراف /3]، ما لكم من ولايتهم من شيء [الأنفال/72]، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [الممتحنة/1]، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا إلى قوله: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء [المائدة/80 - 81] (الآية: ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله... ) وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا، ونفى بينهم الموالاة في الآخرة، قال الله تعالى في المولاة بينهم في الدنيا: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض [التوبة/67] وقال: إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله [الأعراف/30]، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون [الأعراف/27]، فقاتلوا أولياء الشيطان [النساء/76] فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان في الدنيا عليهم سلطانا فقال: إنما سلطانه على الذين يتولونه [النحل/100] ونفى الموالاة بينهم في الآخرة، فقال في موالاة الكفار بعضهم بعضا: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا [الدخان/41]، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض [العنكبوت/25]، قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا الآية [القصص/63]، وقولهم تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية، وحصوله في أقرب المواضع منه يقال: وليت سمعي كذا، ووليت عيني كذا، ووليت وجهي كذا: أقبلت به عليه، قال الله عز وجل: فلنولينك قبلة ترضاها [البقرة/144]، فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [البقرة/144] وإذا عدي ب (عن) لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه. فمن الأول قوله: ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة/51]، ومن يتول الله ورسوله [المائدة/56]. ومن الثاني قوله: فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [آل عمران/63]، إلا من تولى وكفر [الغاشية/23]، فإن تولوا فقولوا اشهدوا [آل عمران/64]، وإن تتولوا يستبد قوما غيركم [محمد/38]، فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين [التغابن/12]، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم [الأنفال/40]، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [آل عمران/82] والتولي قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله عز وجل: ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون [الأنفال/20] أي: لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا [نوح/7] ولا ترتسموا قول من ذكر عنهم: وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [فصلت/26] ويقال: ولاه دبره: إذا انهزم. وقال تعالى: وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار [آل عمران/ 111]، ومن يولهم يومئذ دبره [الأنفال/16]، وقوله: فهب لي من لدنك وليا [مريم/5] أي: ابنا يكون من أوليائك، وقوله: خفت الموالي من ورائي [مريم/5] قيل: ابن العم، وقيل مواليه. وقوله: ولم يكن له ولي من الذل [الإسراء/111]، فيه نفي الولي بقوله عز وجل من الذل إذ كان صالحو عباده هم أولياء الله كما تقدم لكن مولاتهم ليستولي هو تعالى بهم، وقوله: ومن يضلل الله فلن تجد له وليا [الكهف/17]، والولي: المطر الذي يلي الوسمي، والمولى يقال للمعتق، والمعتق، والحليف، وابن العم، والجار، وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه، ويقال: فلان أولى بكذا. أي أحرى، قال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم [الأحزاب/6]، إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه [آل عمران/68]، فالله أولى بهما [النساء/135]، وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأنفال/75] وقيل: أولى لك فأولى [القيامة/34] من هذا، معناه: العقاب أولى لك وبك، وقيل: هذا فعل المتعدي بمعنى القرب، وقيل: معناه انزجر. ويقال: ولي الشيء الشيء، وأوليت الشيء شيئا آخر أي: جعلته يليه، والولاء في العتق: هو ما يورث به، و (نهي عن بيع الولاء وعن هبته) (عبد الله بن عمر يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته. أخرجه البخاري في العتق، باب بيع الولاء وهبته 5/167؛ ومسلم برقم (1506) )، والموالاة بين الشيئين: المتابعة.


تصفح سورة مريم كاملة