تفسير و معنى كلمة باشروهن بَٰشِرُوهُنَّ من سورة البقرة آية رقم 187


أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ١٨٧

المباشرة: المخالطة والتغشية والجِماع


التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة "بشر"

البشرة: ظاهر الجلد، والأدمة: باطنه، كذا قال عامة الأدباء، وقال أبو زيد بعكس ذلك (ذكر قوله الأزهري في تهذيبه 11/360، والذي غلطه ثعلب)، وغلطه أبو العباس وغيره، وجمعها: بشر وأبشار، وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع، وثني فقال تعالى: أنؤمن لبشرين [المؤمنون/47]. وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر، نحو: الذي خلق من الماء بشرا [الفرقان/54]، وقال عز وجل: إني خالق بشرا من طين [ص/71]، ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا: إن هذا إلا قول البشر [المدثر/25]، وقال تعالى: أبشرا منا واحدا نتبعه [القمر/24]، ما أنتم إلا بشر مثلنا [يس/15]، أنؤمن لبشرين مثلنا [المؤمنون/47]، قالوا أبشر يهدونا [التغابن/6]، وعلى هذا قال: إنما بشر مثلكم [الكهف/110]، تنبيها أن الناس يتساوون في البشرية، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة، ولذلك قال بعده: يوحي إلى [الكهف/110]، تنبيها أني بذلك تميزت عنكم. وقال تعالى: لم يمسسني بشر [مريم/20] فخص لفظ البشر، وقوله: فتمثل لها بشرا سويا [مريم/17] فعبارة عن الملائكة، ونبه انه تشبح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: ما هذا بشرا [يوسف/31] فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره البشر. وبشرت الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته ورجلته، ومنه: بشر الجراد الأرض إذا أكلته، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكني بها عن الجماع في قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [البقرة/187]، وقال تعالى: فالآن باشروهن [البقرة/187]. وفلان مؤدم مبشر (قال ابن منظور: وفي الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان كاملا من الرجال)، أصله من قولهم: أبشره الله وآدمه، أي: جعل له بشرة وأدمة محمودة، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة. وقيل معناه: جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته: أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فروق، فإن بشرته عام، وأبشرته نحو: أحمدته، وبشرته على التكثير، وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال: بشرته فأبشر، أي: استبشر، وأبشرته، وقرئ: يبشرك [آل عمران/39] و يبشرك (وهي قراءة حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين) و (يبشرك) (وهي قراءة شاذة؛ وانظر الحجة للقراء السبعة 3/42) قال الله عز وجل: لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال: أبشرتموني على أن منسي الكبر فيم تبشرون قالوا: بشرنا بالحق [الحجر/53 - 54]. واستبشر: إذا وجد ما يبشره من الفرح، قال تعالى: ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم [آل عمران/170]، يستبشرون بنعمة من الله وفضل [آل عمران/171]، وقال تعالى: وجاء أهل المدينة يستبشرون [الحج/67]. ويقال للخبر السار: البشارة والبشرى، قال تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة [يونس/64]، وقال تعالى: لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/22]، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى [هود/69]، يا بشرى هذا غلام [يوسف/19]، وما جعله الله إلا بشرى [الأنفال/10]. والبشير: المبشر، قال تعالى: فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا [يوسف/96]، فبشر عباد [الزمر/17]، ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [الروم/46]، أي: تبشر بالمطر. وقال صلى الله عليه وسلم: (انقطع الوحي ولم يبق إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن أو ترى له) (الحديث صحيح أخرجه البخاري 2/331؛ ومسلم (479) وفيه (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) ؛ وأخرجه ابن ماجه 1/1283؛ وانظر: شرح السنة 12/204) وقال تعالى: فبشره بمغفرة [يس/11]، وقال: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران/21]، بشر المنافقين بأن لهم [النساء/138]، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم [التوبة/3] فاستعارة ذلك تنبيه أن أسر ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، وذلك نحو قول الشاعر: - 54 - تحية بينهم ضرب وجيع (هذا عجز بيت لعمرو بن معد يكرب، وصدره: وخيل قد دلفت لها بخيل وهو في البصائر 2/201؛ وخزانة الأدب 9/252؛ وديوانه ص 149؛ والممتع ص 260؛ والخصائص 1/368) ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى: قل: تمتعوا فإن مصيركم إلى النار [إبراهيم/30]، وقال عز وجل: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم [الزخرف/17]. ويقال: أبشر، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل وأمحل، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [فصلت/30]، وأبشرت الأرض: حسن طلوع نبتها، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحب القرآن فليبشر) (أخرجه ابن أبي شيبة 6/133 وانظره: في الغريبين 1/180؛ واللسان (بشر) ؛ والنهاية 1/129) أي: فليسر. قال الفراء إذا ثقل فمن البشرى، وإذا خففت فمن السرور يقال: بشرته فبشر، نحو: جبرته فجبر، وقال سيبويه (الكتاب 2/235) : فأبشر، قال ابن قتيبة (في غريب الحديث 2/234) : هو من بشرت الأديم، إذا رققت وجهه، قال: ومعناه فليضمر نفسه، كما روي: (إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال) (راجع: اللسان (بشر) 4/60. الحديث أخرجه ابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمامكم عقبة كؤدا لا يجوزها المثقلون، فأنا أريد أتخفف لتلك العقبة) وإسناده صحيح. راجع: الدر المنثور 8/523؛ والرغيب والترهيب 4/85. وأسباب ورود الحديث 2/42 وأخرجه البزار بلفظ: (إن بين أيديكم عقبة)، وعلى الأول قول الشاعر: - 55 - فأعنهم وابشر بما بشروا به *** وإذا هم نزلوا بضنك فانزل (البيت لعبد قيس بن خفاف وهو شاعر جاهلي كان يعاصر حاتم طيئ. والبيت في المفضليات ص 384؛ والأصمعيات ص 230؛ واللسان (بشر)، وتهذيب إصلاح المنطق 1/89؛ ومعاني الفراء 1/212) وتباشير الوجه وبشره: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله. وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه، ويسمى ما يعطي المبشر: بشرى وبشارة.


تصفح سورة البقرة كاملة