تفسير و معنى كلمة شاهدين شَٰهِدِينَ من سورة الأنبياء آية رقم 78
مُطَّلِعينَ عالِمينَ
التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة "شهد"
الشهود والشهادة: الحضور مع المشاهدة؛ إما بالبصر، أو بالبصيرة، وقد يقال للحضور مفردا قال الله تعالى: عالم الغيب والشهادة [السجدة/6]، لكن الشهود بالحضور المجرد أولى، والشهادة مع المشاهدة أولى؛ ويقال للمحضر: مشهد، وللمرأة التي يحضرها زوجها مشهد، وجمع مشهد: مشاهد، ومنه: مشاهد الحج، وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس. وقيل مشاهد الحج: مواضع المناسك. قال تعالى: ليشهدوا منافع لهم [الحج/28]، وليشهدوا عذابهما [النور/2]، ما شهدنا مهلك أهله [النمل/49]، أي: ما حضرنا، والذين لا يشهدوا الزور [الفرقان /72]، أي: لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم. والشهادة: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر. وقوله: أشهدوا خلقهم [الزخرف/19]، يعني مشاهدة البصر ثم قال: ستكتب شهادتهم [الزخرف /19]، تنبيها أن الشهادة تكون عن شهود، وقوله: لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون [آل عمران/70]، أي: تعلمون، وقوله: ما أشهدتهم خلق السموات [الكهف/51]، أي: ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها، وقوله: عالم الغيب والشهادة [السجدة/6]، أي: ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما. وشهدت يقال على ضربين: أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشهادة، ويقال: أشهد بكذا، ولا يرضى من الشاهد أن يقول: أعلم، بل يحتاج أن يقول: أشهد. والثاني يجري مجرى القسم، فيقول: أشهد بالله أن زيدا منطلق، فيكون قسما، ومنهم من يقول: إن قال: أشهد، ولم يقل: بالله يكون قسما، ويجري علمت مجراه في القسم، فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر: - 274 - ولقد علمت لتأتين منيتي (الشطر للبيد، من معلقته، وعجزه: إن المنايا لا تطيش سهامها وهو من شواهد سيبويه 1/465؛ ومغني اللبيب ص 524؛ ويروى عجزه: لا بعدها خوف علي ولا عدم وهو بهذه الرواية لم ينسب؛ وانظر: خزانة الأدب 9/159) ويقال: شاهد وشهيد وشهداء، قال تعالى: ولا يأب الشهداء [البقرة/282]، قال: واستشهدوا شهيدين [البقرة/282]، ويقال: شهدت كذا، أي: حضرته، وشهدت على كذا، قال: شهد عليهم سمعهم [فصلت/20]، وقد يعبر بالشهادة عن الحكم نحو: وشهد شاهد من أهلها [يوسف/26]، وعن الإقرار نحو: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [النور/ 6]، أن كان ذلك شهادة لنفسه. وقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81] أي: ما أخبرنا، وقال تعالى: شاهدين على أنفسهم بالكفر [التوبة/17]، أي: مقرين. لم شهدتم علينا [فصلت/21]، وقوله: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم [آل عمران/18]، فشهادة الله تعالى بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم، وفي نفوسنا كما قال الشاعر: - 275 - ففي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد (البيت لأبي العتاهية، وهو في ديوانه ص 62؛ والزهرة 2/502؛ وهو في البصائر 3/352؛ ونظم الدرر 4/289، دون نسبة) قال بعض الحكماء: إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كل شيء كما نطق بالشهادة له، وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله: فالمدبرات أمرا [النازعات/5]، وشهادة أولي العلم: اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك (قال ابن القيم: وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر. الثاني: اقتران شهادتهم بشهادته. والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة. الرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول. راجع: مفتاح دار السعادة 1/48)، وهذه الشهادة تختص بأهل العلم، فأما الجهال فمعبدون منها، ولذلك قال في الكفار: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم [الكهف/51]، وعلى هذا نبه بقوله: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر/28]، وهؤلاء هم المعنيون بقوله: والصديقين والشهداء والصالحين [النساء/69]، وأما الشهيد فقد يقال للشاهد، والمشاهد للشيء، وقوله: معها سائق وشهيد [ق/21]، أي: من شهد له وعليه، وكذا قوله: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [النساء /41]، وقوله: أو ألقى السمع وهو شهيد [ق/37]، أي: يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضد من قيل فيهم: أولئك ينادون من مكان بعيد [فصلت/44]، وقوله: أقم الصلاة (الآية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا سورة الإسراء: آية 78)، إلى قوله: مشهودا (الآية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا سورة الإسراء: آية 78) أي: يشهد صاحبه الشفاء والرحمة، والتوفيق والسكينات والأرواح المذكورة في قوله: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء/82]، وقوله: وادعوا شهداءكم [البقرة/23]، فقد فسر بكل ما يقتضيه معنى الشهادة، قال ابن عباس: معناه أعوانكم (انظر: تفسير الماوردي 1/77؛ والبصائر 3/353)، وقال مجاهد: الذين يشهدون لكم، وقال بعضهم: الذين يعتد بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل: فيهم شعر: - 276 - مخلفون ويقضي الله أمرهمو *** وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا (البيت للأخطل في ديوانه ص 109. وهو في البصائر 3/353 دون نسبة؛ وعجزه في مقدمة جامع التفاسير للمؤلف ص 155؛ ولم يعرفه المحقق) [استدراك] وقد حمل على هذه الوجوه قوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا [القصص/75]، وقوله: وإنه على ذلك لشهيد [العاديات/7]، أنه على كل شيء شهيد [فصلت/53]، وكفى بالله شهيدا [النساء/79]، فإشارة إلى قوله: لا يخفى على الله منهم شيء [غافر/16]، وقوله: يعلم السر وأخفى [طه/7]، ونحو ذلك مما نبه على هذا النحو، والشهيد: هو المحتضر، فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارة إلى ما قال: تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا... الآية [فصلت/30]، قال: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم [الحديد/19]، أو لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله كما قال: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون *** فرحين بما آتاهم الله من فضله [آل عمران/169 - 170]، وعلى هذا دل قوله: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، وقوله: وشاهد ومشهود [البروج/3]، قيل: المشهود يوم الجمعة (أخرج الترمذي والبيهقي وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة). انظر: الدر المنثور 8/463؛ وعارضة الأحوذي 12/237)، وقيل: يوم عرفة، ويوم القيامة، وشاهد: كل من شهده، وقوله: يوم مشهود [هود/103]، أي: مشاهد تنبيها أن لا بد من وقوعه، والتشهد هو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وصار في التعارف اسما للتحيات المقروءة في الصلاة، وللذكر الذي يقرأ ذلك فيه.
تصفح سورة الأنبياء كاملة